متلازمة القولون المتهيّج (العصبي)

متلازمة القولون المتهيج (العصبي)

كتبت المقال: زينب بني عيسى

دقق المقال: حمزة الشهوان 

يتكون الجهاز الهضمي من عدة أعضاء تساهم في القيام بوظيفته الأساسية، ألا وهي هضم الطعام وامتصاصه إلى داخل الجسم؛ وهي الفم والمريء والمعدة والأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة والمستقيم وفتحة الشرج. إنّ صحة الجهاز الهضمي تعكس صحة الجسم بالكامل، وتعتبر من متطلبات الحياة الصحية التي تساعد الفرد على القيام بواجباته اليومية بكل يسر وسهولة.[1]

تتعدد أمراض الجهاز الهضمي وتختلف في مسمياتها وأعراضها، وإحدى هذه الأمراض تعرف بمتلازمة القولون المتهيّج أو القولون العصبي،[2](Irritable bowel syndrome) الذي يعد من الأمراض المزمنة التي تصيب الجهاز الهضمي.[1]

تعريف المرض

إن متلازمة القولون المتهيّج تعد من أكثر أمراض الجهاز الهضمي انتشاراً حول العالم،[3] تتمثل أعراضه بآلام بالمعدة وتغيّر في عادات الإخراج سواء الإسهال أو الإمساك أو كليهما، حاملةً معها التأثير السلبي على جوانب الحياة المختلفة.[4] إن نسبة انتشاره حول العالم تساوي 5-10%،[2] يمكن تطور المرض في جميع الأعمار،[4] إلا أن نسبة حدوثه تقل مع التقدم بالعمر.[3]

و بالاعتماد على المعيار العالمي (Rome IV) تم تقسيم متلازمة القولون المتهيّج إلى أربعة أنواع رئيسية بناءً على نوع عادة الإخراج السائدة فيه باعتباره مرضا متباين الخواص، وهي كما يلي[4]:

  • متلازمة القولون المتهيّج التي يسودها الإمساك
  • متلازمة القولون المتهيّج التي يسودها الإسهال
  • متلازمة القولون المتهيّج التي تجمع ما بين الإمساك والإسهال
  • متلازمة القولون المتهيّج غير المصنفة

الأعراض والعلامات

تعتبر أعراض متلازمة القولون العصبي السبب الثاني الأكثر شيوعاً لحالات التغيّب عن العمل.[5] تختلف الأعراض التي يعاني منها المصاب تبعاً للعمر والجنس والمسبب الرئيس، حيث تعاني الإناث غالباً من ألم المعدة المصحوب بالإمساك في حين يعاني الذكور من الإسهال بشكلٍ أكبر،[6] وتالياً الأعراض[7]:

  • آلام المعدة المزمنة:

يختلف مكان الألم من شخصٍ لآخر ويكون على شكل تشنجات وتقلصات يشعر بها المريض، تتراوح شدتها ما بين آلام خفيفة حتى آلام لا يمكن تحملها، وعادةً ما تكون متعلقة بالإخراج. 

     

  • تغير في عادات الإخراج:

يكون التغير على شكل فترات يسودها الإمساك أو الإسهال أو كليهما، وقد يمر الشخص بفترات خالية تماماً من أي اضطرابات ومن ثم تتخللها هذه الأعراض.

  • انتفاخ في المعدة 

  • زيادة في التجّشؤ وإخراج الغازات 

الأسباب

إن السبب الرئيسي وراء تطور متلازمة القولون المتهيّج غير معروف حتى اللحظة، إلّا أنه توجد بعض العوامل التي ظهر لها دور في آلية حدوث الأعراض، ومنها[3]:

  • التأثير المتبادل بين الدماغ والجهاز الهضمي
  • التغيرات التي تطرأ على البكتيريا النافعة في الأمعاء
  • عدوى الجهاز الهضمي البكتيرية والفيروسية
  • تعرض الشخص لضغوطات نفسية في الصغر

آلية حدوث المرض 

لم تكن الفسيولوجيا المرضية لمتلازمة القولون المتهيّج معروفة من قبل، فكان يعرف عنه المرض غير القابل للتفسير، ليأتي بعدها العلم ويفنّد هذه الاعتقادات بوضع مجموعة من التفسيرات التي يُعتقد بأنها المسؤولة عن حدوث هذا المرض،[8] كما يلي:

  • محور المعدة والدماغ:

توجد مناطق في قشرة الدماغ مسؤولة عن الإحساس في القناة الهضمية وهي المنطقة الحسيّة والعاطفية (الانفعالية) والفص الجبهي، حدوث أي اختلال في هذه المناطق من الدماغ مع وجود محفزات داخلية أو خارجية مثل الضغوطات النفسية؛ يؤدي إلى إرسال إشارات عصبيّة حسيّة زائدة إلى الأمعاء ينتج عنها ألم بالمعدة.[2]

  • البكتيريا النافعة بالأمعاء: 

توجد بعض الدراسات التي تشير إلى اختلاف بكتيريا أمعاء الأشخاص المصابين بمتلازمة القولون المتهيّج عن الأشخاص غير المصابين بها. إن استعمال المضادات الحيوية بشكل مفرط يؤدي إلى تغير في بكتيريا الأمعاء النافعة، وقد ينتج عن هذا التغير متلازمة القولون العصبي.[2]

  • عدوى الجهاز الهضمي:

يؤدي وجود عدوى بكتيرية أو فيروسية بالجهاز الهضمي إلى حدوث تغيرات مثل زيادة نفاذية جدار الأمعاء وتغيير بالبكتيريا النافعة الموجودة، هذه التغيرات تحفز الجهاز المناعي حيث تفرز الخلايا المناعية cytokines وهي جزئيات تساهم في إتمام الاستجابة المناعية. تعمل السيتوكينات على تغيير الإشارات العصبية الموجودة بالجهاز الهضمي مثل الإحساس والحركة و الإفرازات الهاضمة، مما يؤدي إلى تطور أعراض متلازمة القولون المتهيّج.[9]

  • الانقباضات العضلية بالأمعاء:

تحدث اختلالات في كهربائية العضلات المبطنة للأمعاء فينتج عنه انقباضات عضلية متكررة في الأمعاء الدقيقة والغليظة متسببةً بألم في المعدة و تغيرات في عادات الإخراج سواء الإسهال أم الإمساك.[2]

  • الضغوطات النفسية في الصغر:

وجدت دراسة سعودية حديثة نشرت في مجلة Cureus عام 2022، أن 64% من الأشخاص المصابين بمتلازمة القولون المتهيّج عاشوا في طفولتهم تجارب سلبية كان لها الأثر بتطور المرض وشدّة أعراضه فيما بعد؛ مثل العنف الأسري، والإهمال العاطفي و الجسدي، والعنف الجنسي. والسبب وراء ذلك أن هؤلاء الأشخاص لديهم استجابة زائدة عن الحد الطبيعي لأي تغيرات تحدث في الجهاز الهضمي بسبب ما تعرضوا له من ضغوطات نفسية في صغرهم، وذلك عن طريق هرمونات تفرزها غُدد تحت المهاد، و النخامية، والكظرية.[10]

  • العامل الجيني: 

أوضحت الأبحاث أن نسبة حدوث متلازمة القولون العصبي عند التوأم المتماثل أعلى منها عند التوأم غير المتماثل، فقد وُجد عدد من الطفرات الجينية التي تلعب دور في آلية حدوث المرض، ومنها[2]:

  • وجود تغيرات في الجينات على الكروموسوم رقم 9 المسؤولة عن وظيفة الكثير من قنوات الأيونات داخل الخلايا بالإضافة إلى التسبب بخلل في الجهاز العصبي اللاإرادي داخل الجسم.
  • طفرات في الجين المسؤول عن تحطيم بعض السكريات في الأمعاء (sucrase-isomaltase gene).
  • طفرة في الجين (SCN5A) وهو المسؤول عن تصنيع قنوات الصوديوم داخل العضلات المبطنة للأمعاء المهمة في عملية الانقباض والانبساط فينتج عن هذه الطفرة خلل في عمل هذه العضلات.

عوامل الخطورة

توجد العديد من الأبحاث التي تدرس مدى ارتباط عوامل معينة بتطور المرض وأعراضه للمساعدة في تصوره وفهمه بشكل أفضل، ومن العوامل التي ظهر ارتباطها القوي بمتلازمة القولون المتهيّج ما يلي[11]:

  • الضغوطات النفسية مثل القلق والاكتئاب 
  • الإناث
  • العمر ما دون الـ 40 عاماً
  • التدخين 
  • شرب الكحول بشكل متكرر

التشخيص

يوجد العديد من الأمور التي يجب أخذها بالحسبان عند تشخيص متلازمة القولون المتهيّج حيث أنه يعتبر الخيار الأخير لدى الأطباء لعدة أسباب، منها[12]:

  • تغير الأعراض بشكل مستمر مما يجعل الطبيب يفكر بأسباب أخرى لهذه الأعراض غير الثابتة.
  • قد تأتي أعراض المتلازمة مشابهة في طبيعتها لأمراض أخرى مثل حساسية اللاكتوز.
  • عدم وجود فحص تشخيصي خاص بالمتلازمة يميزها عن غيرها من الأمراض. 

وبسبب ما تم ذكره من معضلات تخص التشخيص فقد اعتمد الأطباء معايير تشخيص عالمية مثل (Rome IV)، 

 يتم الاستعانة به إلى جانب السيرة المرضية والفحص السريري، اضافةً إلى بعض الفحوصات المخبرية لاستبعاد وجود أي أمراض أخرى قد تكون السبب في ظهور هذه الأعراض.[12]

العلاج

يهدف العلاج بالمقام الأول على بناء الثقة بين الطبيب والمريض وثقته الكاملة أن الطبيب يبذل ما بوسعه للتخفيف من الأعراض،[3] وتختلف الأساليب والعلاجات المستعملة باختلاف الأعراض وشدتها بين المرضى، فعلى سبيل المثال يمكن الاكتفاء بأساليب تعديل النمط الحياتي للمريض في حال كانت الأعراض خفيفة، أما في الحالات شديدة الأعراض فلا بد من التدخل الدوائي، تُقسم الأهداف العلاجية كما يلي[2]

  • تغيير النمط الحياتي للمريض:
  • تجنب الأطعمة التي تسبب الانتفاخ؛ مثل (الفاصوليا، البصل، الكرفس، الجزر، الزبيب، الموز)
  • تناول الأغذية الغنية بالألياف
  • الإكثار من شرب المياه
  • ممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم
  • أخذ الحاجة اليومية من النوم

  • العلاجات الدوائية

يتم اللجوء للعلاجات الدوائية في الحالات شديدة الأعراض التي تؤثر سلباً على جودة الحياة للشخص المصاب، ويتم اختيار العلاج بناءً على العَرض الأكثر شدّة لدى المريض. 




المراجع:  

  1. Greenwood-Van Meerveld B, Johnson AC, Grundy D. Gastrointestinal Physiology and Function. Handb Exp Pharmacol [Internet]. 2017;239:1–16. Available from: http://dx.doi.org/10.1007/164_2016_118
  2. Ford AC, Sperber AD, Corsetti M, Camilleri M. Irritable bowel syndrome. Lancet [Internet]. 2020 Nov 21 [cited 2023 Feb 7];396(10263):1675–88. Available from: http://www.thelancet.com/article/S0140673620315488/abstract
  3. Patel N, Shackelford K. Irritable Bowel Syndrome. In: StatPearls [Internet] [Internet]. StatPearls Publishing; 2022 [cited 2023 Feb 7]. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK534810/
  4. Altomare A, Di Rosa C, Imperia E, Emerenziani S, Cicala M, Guarino MPL. Diarrhea Predominant-Irritable Bowel Syndrome (IBS-D): Effects of Different Nutritional Patterns on Intestinal Dysbiosis and Symptoms. Nutrients [Internet]. 2021 Apr 29 [cited 2023 Feb 7];13(5):1506. Available from: https://www.mdpi.com/2072-6643/13/5/1506
  5. Sandler RS, Everhart JE, Donowitz M, Adams E, Cronin K, Goodman C, et al. The burden of selected digestive diseases in the United States. Gastroenterology [Internet]. 2002 May;122(5):1500–11. Available from: http://dx.doi.org/10.1053/gast.2002.32978
  6. Lovell RM, Ford AC. Effect of gender on prevalence of irritable bowel syndrome in the community: systematic review and meta-analysis. Am J Gastroenterol [Internet]. 2012 Jul;107(7):991–1000. Available from: http://dx.doi.org/10.1038/ajg.2012.131
  7. Wald A. Clinical manifestations and diagnosis of irritable bowel syndrome in adults [Internet]. Grover S, Talley NJ, editors. UpToDate. 2023 [cited 2023Feb7]. Available from: https://www.uptodate.com/contents/clinical-manifestations-and-diagnosis-of-irritable-bowel-syndrome-in-adults?search=https%3A%2F%2Fmed.alimed.app%2Fcontents%2Fclinical-manifestations-and-diagnosis-of-irritable-bowel-syndrome-in-adults%3Fsearch%3DIBS%252Bsigns%252Band%252Bsymptoms%252B%26source%3Dsearch_result%26selectedTitle%3D1~150%26usage_type%3Ddefault%26display_rank%3D1&source=search_result&selectedTitle=1~150&usage_type=default&display_rank=1#H3 
  8. Holtmann GJ, Ford AC, Talley NJ. Pathophysiology of irritable bowel syndrome. The Lancet Gastroenterology & Hepatology [Internet]. 2016 Oct 1 [cited 2023 Feb 7];1(2):133–46. Available from: http://www.thelancet.com/article/S2468125316300231/abstract
  9. Berumen A, Edwinson AL, Grover M. Post-infection Irritable Bowel Syndrome. Gastroenterol Clin North Am [Internet]. 2021 Jun;50(2):445–61. Available from: http://dx.doi.org/10.1016/j.gtc.2021.02.007
  10. Alsubaie MA, Alkhalifah HA, Ali AH, Bahabri MA, Alharbi BA, Alfakeh SA. Adverse Childhood Experiences and Their Effect on Irritable Bowel Syndrome Among Saudi Arabian Adults. Cureus [Internet]. 2022 Jun;14(6):e25791. Available from: http://dx.doi.org/10.7759/cureus.25791
  11. Nam SY, Kim BC, Ryu KH, Park BJ. Prevalence and risk factors of irritable bowel syndrome in healthy screenee undergoing colonoscopy and laboratory tests. J Neurogastroenterol Motil [Internet]. 2010 Jan;16(1):47–51. Available from: http://dx.doi.org/10.5056/jnm.2010.16.1.47
  12. Lacy BE, Patel NK. Rome Criteria and a Diagnostic Approach to Irritable Bowel Syndrome. J Clin Med Res [Internet]. 2017 Oct 26;6(11). Available from: http://dx.doi.org/10.3390/jcm6110099
0 replies

Leave a Reply

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *